ماذا قبل السينما؟
ما أسهل أن تبتاع منتجات الحضارة، لكن، ما أصعب أن تكون شخصًا متحضرًا. سأهبك الجواب قصيرًا، مباشرًا ودونما تمهيد: التحضر سلوك يا صديقي. ليس التأنق وتنميط الممارسات اليومية بنمط حديث؛ كافٍ لوصف شخصٍ ما بأنه متحضر، لا.. ليس هكذا مطلقًا. السلوك المتحضر بناء متين، لا يمكن أن تنشأ الأبنية العالية إلا على أرضيات صلبة. نخطيء جدًا إذا صبغنا البيئة العامة بأشكال التمدن، ونحن نقف على مفاهيم وأفكار يؤسفني وصفها بالتخلف. هذه ليست غلطة عموم الناس، إنها غلطة الشطار أيضًا، أعني بعض من يسمون أنفسهم مثقفين أوتنمويين أوإنسانيين أوكتاباً أو تنويريين أيضًا. وغلطة الشاطر بألف.. أليس كذلك؟
إننا، وقبل أن نطالب بإنشاء سينما مثلاً، وهذه إحدى مظاهر العالم الحديث، فالسينما مرصد اجتماعي، مورد ثقافي، غذاء إبداعي، ثورة جمالية، إبهار بصري، متعة، تحفيز، تنمية وفلسفة أيضًا. لكنها لن تصبح كذلك دون مرتكزات للتحضر. كيف سيتعاطى الفارغ والأجوف مع فلمك البجعة السوداء (Black Swan) سوى تأمل السيقان الطويلة والتنانير القصيرة وحسب! فلم كـ الرجل الطائر (Birdman) هل سيكون خياراً مفضلاً لهؤلاء؟ ما أعنيه أنك حين تطالب بالسينما عليك أولاً أن تنشئ عقولاً، عليك أن تنمي الوعي.
إنني ممن لم يتحدث عن السينما، رغم شغفي البالغ بصناعة الأفلام، بإمكان فيلم رائع وعميق أن يصنع عافيتي الفكرية والنفسية أيضًا. السبب: إنني لن أطالب بصالات السينما حتى أتأكد أن فيلمًا كـ حياتي مبهدلة للمثل السيء محمد سعد المشهور باللمبي لن يعرض في أي صالة، وأن فيلمًا مثل الرجل النملة (Ant-Man) سيسجل في أعقاب عرضه الموسمي: لم يحضره أحد. وأن رواد السينما سيحظرون من أجل تغذية عقولهم لا رغباتهم. أكررها: أرواحهم لا نزواتهم. هنا فقط.. سأقف بكل وثوق وأقول: نريد صالات سينما.
نقلا عن"الجزيرة"